فريضة الصوم التي فرضها رب العالمين تغير النفوس صوب الحق والعدل وتؤدي دورا فعالا في تغيير سلوك المسلم في حياته.. كما تربي في مجتمع المسلمين القدرة علي تغيير واقعهم وهذا دليل علي اتساق شريعة الاسلام وخلودها.. فنحن نري في شهررمضان تغيرا كليا وجزئيا في أخلاق وسلوكيات المسلم فهو يعيش ويتعب من أجل صوم حقيقي بعيدا عن الرياء محققا قول النبي صلي الله عليه وسلم 'الخير فيٌ وفي أمتي إلي يوم الدين'.. ولكن بعد رمضان يخلع البعض عباءة رمضان ويعود إلي ماكان عليه فهل هذا ما أراد الله تحقيقه من فريضة الصيام ولماذا لا تستمر سلوكيات وعبادات رمضان؟
يقول المهندس احمد محمد كل منا يستعد قبل مجيء رمضان نفسيا وماديا لهذا الشهر وفيه يحرص علي الطاعات والاعمال الصالحة من قراءة القرآن الكريم وصلاة الجماعة في المساجد وصلاة التراويح وإخراج الصدقات وزيارة الاهل وصلة الارحام ويتمني ان يداوم عليها بعد رمضان فرب رمضان هو رب السنة كلها ولكن للأسف هذه الروحانيات تستمر فترة قليلة وما يلبث أن يعود الانسان إلي ماهو عليه.. والسبب يرجع إلي فتن الحياة حولنا ووساوس الشيطان التي تنطلق بقوة بعد رمضان وتضيف د. سارة حسن رمضان شهر خير وبركة ولكن للأسف البعض لا يلتزم باخلاقيات وسلوكيات رمضان. فلو التزم المسلمون بما يقومون به في رمضان من عبادات لم نجد المساجد خالية بل يعمرها الشباب والكبار وما وجدت في الاقسام محاضر سب وقذف وتعدي علي الآخرين ولخلت المحاكم من جرائم القتل والسرقة.. كما أننا لو التزمنا بالتكافل الاجتماعي كما يحدث في رمضان.. ماوجد بيننا جائع ولا محروم ولم تصبح هناك فجوات بين مجتمعات الاغنياء والفقراء.. أما لو التزمنا بالصدقات والزكوات لما استوردنا لقمة العيش ومستلزمات المصانع من الخارج ولبنينا المستشفيات والمصانع ولم يوجد بيننا عاطل.. فالبعض يفهم رمضان فهما خاطئا وتؤكد إيمان اسماعيل طالبة جامعية.. أن الصوم تربية للنفس عن طريق اعدادها وتعويدها الخشوع من الله.. والاسلام حينما شرع الصوم لم ينظر إليه علي أنه حرمان مؤقت من بعض الاطعمة أو الاشربة بل خطوات عملية إلي حرمان النفس من شهوتها.. ونزواتها المتكررة فهو وقفة مع النفس في رمضان وبعد رمضان والحق أنني أحاول بعد رمضان الالتزام بما قمت به في هذا الشهر الكريم حتي يقبل صيامي وأجدد النية مع الله دائما أن أكون أفضل حالا.
مفهوم الصوم
ويفسر د. عبدالصبور شاهين الداعية الاسلامي تراجع سلوكيات المسلمين بعد رمضان قائلا: لا شك أن رمضان له دور كبير في صياغة المجتمع والصوم كعبادة جماعية يفرض التكافؤ بين أفراد المجتمع تماما كما تفعل صلاة الجماعة التي تسوي بين المسلمين مهما اختلفت درجاتهم وأوضاعهم الاجتماعية.. فالصوم ليس مجرد امساك عن الطعام ولكنه إمساك عن كل ما يخدش قيم الإنسان.. فلكل عضو من اعضائه صومه.. فالعين لها صومها والأذن لها صومها وكذلك اليد والقدم واللسان وبهذا يسير الانسان في طريق التهذيب والتطهر ويخرج من رمضان وقد عمر قلبه بالإيمان وتطهرت جوارحه وبهذا يوصلنا الصوم إلي مجتمع طاهر نظيف اخلاقيا وسلوكيا.. فعلينا أن نجعل شهررمضان فرصة لتربية النفس بحيث تصاحبنا هذه التربية بعد رمضان في سائر الشهور الي أن يأتي رمضان آخر.
ويشبر علماء النفس والاجتماع.. أن فترة 30 يوما هي مدة شهررمضان يؤدي فيها الفرد أعمالا مكثفة من العبادات والطاعات.. هذه الاستمرارية مهمة جدا لإحداث برمجة عميقة للانسان روحيا وبدنيا.. فعلي المسلم أن يستمر في هذه البرمجة في اداء عباداته وطاعاته.. ويستمر في سلوكياته الطيبة فهو قد ملك زمام نفسه في رمضان فعليه ألا يترك الزمام حتي لا تنقاد وتفلت نفسه مرة أخري الي مالا يصح.
ورحم الله فضيلة الدكتور محمد أحمد علي سحلول الاستاذ بجامعة الازهر الذي كان له رأي مفيد في هذه القضية.. حيث يقول أن الانسان الذي يملك شهوته هو قوة خطيرة.. وأن الشعب الذي يملك شهوته قوة أخطر.. اننا نستطيع ان نقود العالم وان يكون الزمام في أيدينا لو صدقت الامة في صيامها لكنها تصوم ولا يتغير من واقعها شيئ وأعجب العجب لأمة تصوم ولا تنتصر مع أن معاركها كانت رمضانية وأمجادها تحققت بالصيام وسر ذلك في تقديري أن صيامنا ظواهر باهتة ونظرتنا لرمضان وصيامه غير واعية إننا ننظر إلي رمضان علي أنه شهر المسلسلات والسهرات والاطعمة الشهية والمشروبات وهذا مالايرضي عنه رب الارض والسموات..ما أحوجنا الي صوم حقيقي نربي فيه النفس علي الطاعة لله.. ونستعيد مجد أسلافنا الذين مكن الله لهم في الارض وبدل خوفهم أمنا.. قال تعالي 'ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز'.
منهاج المسلم بعد رمضان
ويقدم لنا الدكتور اسماعيل الدفتار الاستاذ بجامعة الازهر النصيحة فيقول ينبغي أن نعلم كما علمنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن أحب الاعمال إلي الله ماداوم عليها صاحبها وأن قل والمداومة عليها فمثلا الصلوات الخمس والصيام لم يقل احد أنها فريضة في شهر رمضان فقط دون بقية الأيام وكذلك اجتناب المحرمات والبعد عن الفجور هذا منهاج لابد أن يكون مستمرا للمسلم علي مدار الحياة.
وقد جاء من أحد التابعين قال من صام رمضان وهو يحدث نفسه أنه إذا افطر من رمضان لم يعصي الله دخل الجنة بلا مسألة ولاحساب.. ومن صام رمضان وهو يحدث نفسه أنه إذا انتهي شهر رمضان عصي الله فإن صيامه مردود عليه اي غيرمقبول لأنه نوي أن يخص زمانا بعبادة فينبغي علي المسلم أن يستمر نشاطه وإقباله علي عبادة الله بالصيام والقيام والزكاة والذكر وقراءة القرآن الكريم أي يستمر القيام بربه ومن يفعل الشيء لله لا يقطعه لأنه ماكان لله دام واتصل وماكان لغير الله انقطع وانفصل.