شهر رمضان فيه من الخيرات ماجعله جامعة لكل أنواع البر والخير ولم يجمع شهر من الشهور من أنواع المكرمات وصنوف الخير مثل ماجمع شهر رمضان واذا كان العرب يقولون إن كثرة الأسماء تدل علي شرف المسمي بها منها هو شهر رمضان وهو شهر الصيام وشهر القرآن وشهر الجود وشهر الانتصارات علي الأعداء وشهر المواساة وشهر الزيادة في الرزق وكل هذه الأسماء وغيرها تدل علي أن هذا الشهر ذو شرف عظيم فهو شهر الاحسان الي الفقراء وشهر الغفران يتجلي الله فيه علي عباده الصائمين حتي إذا كان آخر ليلة منه غفر الله لهم جميعا فرمضان إذن جمع الفضائل كلها دنيوية وأخروية وكان الصيام في رمضان مدرسة جامعة لكل هذه المكرمات وسنطوف في بعض فصول تلك المدرسة:
أولا : الصيام وعلاج الأمراض والعلل
ان الله سبحانه قد فرض الصيام علي المسلمين وعلي من قبلهم السابقين وكان الهدف من ذلك هو علاج النفس والجسم معا ونعتقد أن الهدف الأسمي هو علاج النفس البشرية من أدوائها لأن الجسم مآله للفناء والنفس مآلها البقاء والله سبحانه وتعالي يؤثر مايبقي علي مايفني ولما كان الاسلام خاتم الأديان جاء به رسولنا محمد صلي الله عليه وسلم لصلاح البشرية جمعاء 'ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا' ومن هنا كانت شريعة الاسلام مشتملة علي أكمل نظام يصلح البشرية جميعها ومن هذه النظم فريضة الاسلام الصيام فقد فرض الله علي المسلمين صيام شهر رمضان ولم يكن الغرض من فرض الصيام عليهم اعناتهم أو المشقة عليهم وإنما كان الغرض الأسمي من هذه الأغراض وهو ترويض النفس البشرية وشفاؤها من جميع العلل والأدواء التي تصيب النفس.
وإذا أردنا أن نشخص تلك العلل والأمراض لوجدناها كثيرة ومنها ماهو ظاهر وماهو باطن والعلاج لكل هذه الأمراض في الصبر واذا كان الصبر هو العلاج الشافي لهذه الأمراض فلن نجد هذا الدواء إلا في صيدلية الصيام لأن الصوم هو أداة المقاومة ومبعث القوة النفسية التي تقارع الشدائد والخطوب وقد جاء في الحديث قوله صلي الله عليه وسلم من حديث له '.. والصوم نصف الصبر'.
وقد وضع الناس علاجا لضعف الارادة ووهن العزيمة ومن ذلك أنهم اتخذوا الرياضة البدنية وسيلة لعلاج تلك العلة ومن الناس من يعالج علة النفس بركوب الأخطار وممارسة بعض أنواع الرياضات الخطرة المحفوفة بالمهالك ومنهم من يعرض نفسه لآلام جسدية شديدة ويصبر علي تحملها صبرا طويلا وكل هذه الرياضات وتلك الممارسات الغرض منها تدريب النفس علي تحمل ماتحمله الحياة من أحداث وأن يعتمد لتلك الأحداث وتستعد ماقد يعرض لها من مكاره وبالتالي مقاومة تلك الأحداث وهذه المكاره ولو نظرنا الي الحياة لوجدناها مليئة بالأحداث التي يتعرض لها أي انسان وأحيانا تلك الكوارث التي تتعرض لها الأمم والدول أيضا وهذه الأحداث تحتاج الي إرادة قوية وعزيمة صلبة وصبر قوي قادر علي مقاومتها والتغلب علي آثارها والصبر هو أهم فضيلة قصد اليها الاسلام من فرضه الصيام علي المسلمين.
وإذا كان الصبر أمره كذلك فإن أقوي أنواع الصبر هو مقاومة النوازع النفسية التي تصاحب النفس الأمارة بالسوء التي تدفع بصاحبها الي السوء وتدفعه الي الشر والي ارتكاب المحرمات وتبعده دائما عن الطاعات أو تفسد عليه طاعته وهذا مايتعلمه المسلم من صيامه وما يتدرب عليه في مدرسة رمضان فإنه لايزال يروض نفسه علي قوة التحمل ويكبحها عما تشتهي حتي تصير الطاعة ملكة له وعادة متأصلة فيه انظر الي الصائم عندما يسمع كلمة السباب تقرع سمعه فيجعلها خلف أذنه ولاينتبه لها ولايعرض اهتماما ويقول امتثالا لما أمر به النبي صلي الله عليه وسلم 'اللهم اني صائم' فيتعلم من ذلك أن يكون حليما والحلم من الصفات الحميدة التي وصف بها الأنبياء ودعا اليها الرسول محمد صلي الله عليه وسلم عندما كان من هديه النهي عن الغضب والتحلي بالحلم عندما أوصي أحد الصحابة بقوله :'لاتغضب' وعندما يقول 'الغضب جمرة في جوف ابن آدم' وهل أفضل من الصبر لاطفاء تلك الجمرة التي تشعل قلب ابن آدم فتغريه علي الانتقام وعلي ارتكاب ماحرم الله تعالي ويداوي بتلك الكلمة الجامعة 'اللهم اني صائم' جرح الصدر الذي يغري الانسان بالانتقام ولايجعله يقف عند حد فيبغي ويظلم ويعتدي ويبطش وكل هذه الأمراض من آثار ضعف النفس الذي عالجه الحكيم العليم بكف النفس عن شهواتها والحد من غلوها.