بدر الكبري..صراع الحق ضد الباطل
الإيمان والعمل.. والشوري.. دروس النصر
تمثل غزوة بدر الكبري علامة فارقة في تاريخ الدعوة الإسلامية ذلك لانها كانت الاختيار الأول للأمة المؤمنة وكان الانكسار فيها يمثل نهاية للرسالة الخاتمة وكان ذلك واضحا في وقوله صلي الله عليه وسلم متضرعا لله سبحانه في أرض المعركة "اللهم إن تهلك هذه الفئة فلن تعبد في الأرض أبدا".
لكن الأهم من ذلك ان انتصار بدر أو الغزوة نفسها لم تكن حدثا عابرا ويمضي وإنما لها عبر ودروس يستطيع المتأمل فيها ان يجد فيه زادا مهما تنتفع به الأمة لإسلامية إلي ان تقوم الساعة.
يقول الدكتور السعيد محمد علي إمام مسجد الإمام الحسين ان كثيرا من الأحداث التي حدثت للمسلمين وإن لم تكن كلها كان جانب منها هدفه تقديم النموذج والحل للمشكلات للاجيال القادمة فكل جزئية في الحدث كان لها مغزاها الحالي ومغزاها المستقبلي ومن ذلك ما حدث قبيل المعركة من مشورة الرسول لصحابته حين قال اشيروا علي أيها الناس هنا ندرك ان الشوري مهمة حتي في احلك الظروف وان القائد حين يشير رجاله فإنما يشركهم فيما يقوم به ويتصرفون باعتبار ان ما يقومون به هو رأيهم وهو ما اختاروه بأنفسهم فيصبح الجهد مضاعفا والاذي محتملا لأن الأمر لم يفرض عليهم كما ان في الشوري الافادة بمجموعة كبيرة من العقول وليس بعقل واحد لذلك تقدم الرسول إلي معركته والجميع مؤمن وموافق عليه ومؤمن بعدالة ما يسعي إليه لذلك وجدنا الصبية يبكون وهم يردهم رسول الله عن المشاركة لانهم صغار.
الأمر الثاني هو النزول علي الرأي الاصوب حتي ولو كان من الادني فالرسول صلي الله عليه وسلم ينزل في مكان أرض المعركة فيشير عليه الحباب أحد صحابته بمكان آخر فيوافق الرسول صلي الله عليه وسلم علي رأيه وهنا نجد ملحظا عظيما وهو من تقديم المشورة فالحباب لم يذم مكان النزول وانما بأدب الصحابي الجليل مع رسولنا العظيم يقول له "منزلا انزلكه الله أم هو الرأي والحرب والمكيدة فيرد رسول الله صلي الله عليه وسلم قائلا: بل هو الرأي والحرب والمكيدة فيقول أري ان ننزل هنا إلي آخر كلامه فيوافق الرسول".
دروس وعبر
ويضيف الدكتور أحمد كريمة ان من الدروس والعبر التي نتعلمها من بدر الكبري هو ان ارادات الشعوب والأمم لا تموت وان قوة الارادة كفيلة ان تجبر النقص في أمور كثيرة وهو امر جربه المسلمون كثيرا فالمسلمون كانوا أقل عددا وأقل عتادا وعدة ومع ذلك استطاعوا بالإيمان القوي والعزيمة التي لا تلين والاقبال علي الموت استطاعوا ان ينتصروا علي الجيش ذي العدة والعدد والعتاد ويأسروا عددا كبيرا منهم في هزيمة غير متوقعة ولا منتظرة ويقتل فيها كبار قادة المشركين ويعز الله جنده يقول تعالي "ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون" لذلك فإن الامم تحتاج في بنائها أول ما تحتاج إلي الارادة وقوة الإيمان وهو ما عاش رسول الله يبنيه طيلة 13 عاما في مكة ثم اكمله في المدينة.
الاجتهاد والعمل
ويشير الدكتور كريمة إلي درس آخر من دروس بدر وهو الاجتهاد والعمل ثم انتظار العون بعد ذلك من الله فالرسول وصحابته لم يقفوا مكتوفي الأيدي يسألون الله النصر ويتصورون انهم ماداموا مؤمنين فمن حقهم النصر لكنهم عملوا واجتهدوا وبذلوا كافة جهدهم ولم يدعوا قدرة علي البذل إلا قدموها فاستحقوا النصر واستحقوا عون الله وملائكته وهو أمر يعلمنا ان الله لا يحابي ولا يجامل وان علي المؤمن إذا اراد ان يخرج من ازماته ألا يترك وسيلة من وسائل الاجتهاد إلا سلكها وتحرك فيها وبذل فيها جهده ومن هنا فإن كبوتنا الحضارية لن نخرج منها بالدعاء علي الغرب أو الأعداء وانما نخرج منها بالعمل والاجتهاد والمثابرة وتصفية النفس وتنقيتها واخلاص القلب لله هنا نستحق الجائزة ونستحق التمكين في الأرض. يقول تعالي "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون" فالتمكين في الأرض يسبقه الإيمان وعمل الصالحات والعمل الصالح يتسع لكل سلوك انساني علي وجه الأرض.
معجزة الاجتهاد والإخلاص
الدكتور صبري عبدالرءوف يشير إلي غزوة بدر الكبري كانت معجزة الاجتهاد والإخلاص لله سبحانه وتعالي اخلاصا جعل الملائكة تشارك في المعركة كما اخبرنا القرآن الكريم وهو درس يعلمنا ان الانسان يستطيع بإيمانه ان يسمو علي بشريته ويقف في مصاف الملائكة من خلال ايمانه واخلاصه وجهاده وكفاحه وتصبح الملائكة هي المدافع عنهم.
كما ان المؤمن بإيمانه يدخل علي قلوب الظالم خوفا وهيبة منه تحقق له النصر مع الاخذ في الاعتبار ان الايمان ما وقر في القلب وصدقه العمل فالعمل ضرورة ملازمة للايمان اما ايمان بلا عمل فهو ايمان ناقص وعمل بلا ايمان هو عمل ناقص أيضا.